ضحايا سانت كاترين ..و ضحايا الإعلام المصري !!
ضحايا سانت كاترين ..و ضحايا الإعلام المصري !!
..............................
اليوم 19من فبراير 2014..مصر تنتفض بأجهزتها الإعلامية (صحافة – إذاعة- فضائيات ) و إعلام شعبي ( مواقع التواصل الاجتماعي ) ..لوفاة 4 شباب من أصل 8 , كانوا فى رحلة (سفاري) بمنطقة سانت كاترين بسيناء . مصر تنتفض ( إعلاميا ) , مع الأخذ فى الاعتبار ان دائما أبدا , الاعلام فى مصر وقضاياه و رؤيته للقضايا , قد لا تعبّر اطلاقا عمّا ممكن أن تسمعه إذا خَطَت قدماك الشارع المصري وسمعت تعليقات و ( آراء ) الناس !
مثلا ..ما لن تسمعه فى أى فضائيّة ...ولن تقرأه فى أي جريدة ..تعليقات من هذا النوع
** يا عم دول شويّة شباب صيّع ..بنات مع صبيان فى الصحرا مع بعض ...انهى أب (...) يسمح لبنته تروح الصحرا مع شبّان !
** يا عم دول ناس من عالم تانى ..الناس موش لاقية تاكل ..ودول رايحين يتفسّحوا ويصرفوا كام الف جنيه ..عشان يطلعوا جبل ...فَضا ...بعيد عنّك ...موش لاقيين حاجة يعملوها ..وموش يعرفون يبعزقوا فلوسهم فين !
** اللى مات على الجبل ده ...هايُبْعث على كده ...هايقابل ربنا يقولّه ايه ...كنت طالع الجبل اتفسّح مع اصحابى البنات !
** وقال ايه ...كانوا بيستنجدوا بالجيش ...الجيش يا عم موش فاضى غير للقبض على الاخوان !
** عاملين مندبة عشان شباب رايح يتفسّح فى الجبل ..وعاملين ميّتين على كل اللى الناس اللى الشرطة و الجيش قتلوهم !
هذه التعليقات أعلاه ...هى التى ستسمعها من الأغلبية الكاسحة من عموم الشعب المصري !
وهى – قطعا – ليس لها علاقة على الاطلاق بما ستسمعه أو تراه على أى وسيلة إعلامية , وليس مجال الحديث هو ( تقييم ) أو ( تحليل ) هذا (الانفصام ) الحادّ جدا بين ما يقوله (الإعلام ) و ما يقوله ( عموم الناس ) , المجال هو : التنبيه على هذا الخلل , إذا كنا نريد ( ثورة ) حقيقية . فالثورات هى مناهج تغيير ( فكرية ) قبل كل شىء . و الفكر الذي لدينا تجاه الموت يحتاج إلى ضبط الأفكار و إعادتها إلى بديهيات , واضح أنها تاهت منّا جميعا !
- لحظة الموت ..نهاية الأجل يملكها ربّ الكون فقط – سبحانه و تعالى - ..وإن كنّا كبشر نفعل , أفرادا و جماعات كل ما فى وسعنا , لحماية الحق فى الحياة , ونحاكم كل من يتسبب فى إهدار هذه الحياة بأى شكل ...قتلا ...أو إهمالا ..وبما يتوافق مع الشرائع السماوية ..وحتى القوانين الوضعيّة ..فإننا يجب أن لا نختار طبقا لل(هوى) ..و (الهوى) وحده ..أى حوادث الموت يكون مثار الضجّة الكبرى ...والاهتمام البالغ البليغ ..و أيّ حوادث الموت التى لا تستحق حتى سطرا تنويها فى الصحف ! وفاة راكبي ميكروباص ذاهبين إلى عملهم صباحا نتيجة لإهمال فى الطرق أو فى تطبيق القانون على المنفلتين من القانون ..يجب أن يكون صاخبا جدا ..مثل وفاة بعض الشباب أثناء رحلة سفاري فى سانت كاترين ! ...وفاة ناس فى انهيار عقار ...فى تسمّم غذائى ..فى إهمال طبي ..فى رصاص غادر ..فى انفلات أمنى ...فى تعذيب داخل مؤسسة أمنية ..فى وباء مرضى كانفلونزا الخنازير ..فى ألف شىء و شىء فى هذا البلد المهمل حكوماته وحكّامه دائما أبدا ...يجب أن يتساوى إن لم يزد عشرات العشرات من المرّات ..عن من مات فى رحلة !
- القبر لا يعرف غنيا من فقير ..لا يعرف مشهورا من عديم الذكر ..لذلك , من العَيب أخلاقيا ..أن تقوم الدنيا لموت أحد دون أحد ...لاعتبارات (طبقيّة ) أو ( سياسية ) أو اى اعتبار آخر ..الموت هو الموت ..ومن أكبر الكوارث ..أن نزرع الحسد فى نفوس الناس حتى فى الموت !
- مصر منذ 2011...وحتى الآن ...مات فيها الآلاف ( فعلا وليس على سبيل المبالغة ) ..لكن كل فريق لا يأبه لموتى الفرق الأخرى ..الإخوان والسلفيون لم يأبهوا أبدا لأى نقطة دم سالت ..سوى دماء أهل رابعة ..وموتى مظاهرات المطالبة بالقصاص لأهل رابعة ..لم يأبهوا أبدا لنقطة دمّ سالت فى معركة مع مجلس طنطاوى خلال سنتين انتقالتين سوداتين ..لا فى مجلس الوزراء ولا محمد محمود ولا ماسبيرو ولا غيرها من أحداث دامية ...والثوّار لم يأبهوا أبدا بأى نقطة دم سالت فى رابعة وما بعدها ..والأولتراس لا يأبه إلّا لدماء رابطته فقط ...والجيش و الشرطة لا يأبها لأى نقطة دم ( مدنية ) ...كل فريق لا توجعه سوى دماء ( أبنائه ) ..هنا ..فقدنا ( إنسانيّتنا ) جميعا ...لأن ( موش كل الدم حرام ) كما يردد الجميع وهم لا يعنون حرفا ممّا يقولون !
- كل شخص مات ...حسابه عند ربّه ...مهما كانت الحال الظاهرة التى أمامك ..لأن مالك الملك فقط ...هو الذي يُدْخل هذا برحمته إلى الجنة ...و يُدْخل هذا النار ..وكل أعمالنا وعباداتنا نحن البشر ..قد يقبلها ..وقد لا يقبلها ...وقصة قاتل المائة الشهيرة ..نحفظها جميعا ...الرجل الذي قتل 99 شخصا ثم ذهب إلى أحد العُبّاد وسأله هل من توبة إن تُبت ..فقال لا , فقتله و أكمل به المائة ! ثم ذهب إلى أحد العلماء ليسأله السؤال ذاته ..فقال نعم ..لك توبة ! فخرج من عنده وهو على ( نيّة ) الهجرة إلى ( أرض أخرى ) غير أرضه وقومه (السوء ) الذين نصحه العالم بتَركهم , ثم مات فى منتصف طريق هجرته إلى الأرض الأخرى واختلفت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ..وأمر الله ملائكة الرحمة بقبوله تائبا . كذلك قصة صاحب البطاقة الصغيرة يوم القيامة ..التى لم يُكتب فيها سوى ( لا إله إلّا الله ) قالها صادقا منفردا من أعماقه يوما ما , مقابل جبل من صحائف الأعمال السوء , ورجحت كفّة البطاقة الصادقة الصغيرة أمام جبل الخطايا و الذنوب ! وقصة المرأة البغيّ التى سقت كلبا عطشان رحمة ً به ...فرحمها الله بهذه الرحمة و دخلت الجنّة ...فى مقابل المرأة الأخرى التى دخلت النار فى هرّة صغيرة حبستها ...لا هى أطعمتها وسقتها ..ولا هى تركتها تُرزق من أرض الله ..فأدخلها الله النار بهذه (الوحشيّة ) و ( اللارحمة ) ! لهذا ...يجب أن يتوقف الجميع عن دور مالك مفاتيح الجنّة و النار ...وعن دور منح أو منع لقب الشهيد كذلك ..لأن الله وحده – سبحانه – يعلم كل إمرىءٍ ونواياه الحقيقية ..هو أهل التقوى و المغفرة ...وهو المنتقم الجبّار أيضا ...فاللهم رحمتك نرجو .
- الحقيقة الأخيرة حول الموت و افكارنا حوله ..والتى يجب أن نُعيد التذكير بها ...لا شماتة فى الموت ..فإذا كان رسولنا الكريم ..محمد ..عليه الصلاة و السلام ...هو ( رحمة ) للعالمين ...فلماذا نصر نحن المسلمين ...أن نكون ( لعنة ) للعالمين ؟ هل دورك كمسلم أن تحيا ال24 ساعة فى تصنيف الناس ؟ هذا ضال و هذا مبتدع و هذا فاسق وهذا كافر وهذا منافق وهذا عدوّ لله و لرسوله و هذا جاهل و هذا رويبضة ؟ هل هذا هو دورك ؟ أم أن دورك هو الهداية لرب العالمين ..وكيف ستكون هاديا وأنت سبّاب شتّام غمّاز همّاز مشّاء بنميم غليظ ؟ كيف و أنت تقول ما تفعل ؟ كيف تكون مُطالبا بالأخلاق وأنت فاقدها ؟ كيف تدعو للإسلام ..و أنت لا تعرفه ؟!
فى النهاية ..ندعو الله أن يرزق هذا البلد هذا الحرص البالغ (؟؟؟!!!) على روح كل مواطن يموت ..تماما مثلما رأينا اليوم ...من بالغ الاهتمام بأبنائنا الذين ماتوا فى سانت كاترين ..ومن محاولة مستميتة لاطلاق الرصاص على الذين تسببوا فى موتهم بالإهمال ( إعلاميا ) ! يا رب !
عادل حجازي
19-2-2014
تعليقات
إرسال تعليق