المقامة التأجيلانيّة (المقامات الحجازية – 2)
المقامة التأجيلانيّة (المقامات الحجازية – 2)
كتبهاعادل حجازى ، في 28 يونيو 2011 الساعة: 19:12 م
حدّثنا
مُؤجِّل بن آجل بن تأجيلة , وهو يَشُدُّ أنفاس النرجيلة , قاضى قضاة بلاد
الهَلس ستان , ومُدْخِل العاقل البيمارستان , ومُلبس الرجل َ الفستان ,
قَالِبُ الحقَ باطلا ببراعته , ومُخْرِجَ الباطل حقا بصياعته , قال :
تعلمون أنّى قاضى قضاتكم , وناصرُ ضعفائكم , و ضاربُ الظَلَمة على ظُلمهم ,
وساجنُ الطغاة ببَغيهم , لدى ّ من الحكمة المُعجزة , والأحْكام المُلْغِزة
, ما تقفُ مِنْهُ أفهامُكم مكتوفة , وأقلامُكم مَقْصوفة , وأقمارُكم
مَكسوفة , عِِندي لكل مقام مقال , ولكل داء عُضال , دواءٌ زُلال , ولكل
غاية وسيلة , ولكلِّ مُحتالٍ حيلة , وفى جَعبتى المِسْكُ والنيلة ,
فاٌقبلوا لمجلسى أيّها العَوَامْ , واسمعوا منّى خير الكلام , قد قام منذ
شهور , حادثٌ مشهودٌ مشهور , غّضبةٌ جماعيّة , شملت كلّ الرعيّة , على
والينا منذ سنين , وبِطانته المُؤتَمَنين , باسم الفقر والجوع , والذلّ
والخضوع , وبابِ الغِنى الممنوع , وأشياءٍ لا حصر لها , ولا كسر بها , وقد
استشرت المجلس الأعمى , ذا المقام الأسمى , فأعطانى الضوء الأخضر َ ,
لِحَبْسِ مَن حَكَمَ ومَنْ استَوْزَرَ , ومع الضوء إشارتين , واحدة ٌ بعيْن
وأخرى بعيْن , فوقعتُ فى حَيْصْ بَيْصْ , وتعثرتُ فى بَيْصْ حَيْصْ , عين ٌ
مثل الغول , والأخرى رَنَّة أُرغول , مثل نَهَارٍ شمسُه لافحة , وسمائه
بالمطر طافحة , لهذا كانت الحكمة , فى استشراف موضع النِعمة من النِقمة ,
والرضى من السَخَط , والفطنة من العَبَط , فأجلّنا حُكْمَنا فى الأمير ,
وقلنا أنّه عليل مُلازم السَرير , وجئنا بالوزراء , أمامَ و وراء , واخترنا
كَبْشيْن أو ثلاثة , وصادرنا ما معهم من مَتَاعٍ وأثاثة , و رَصصنا
الباقين صَفّا فى الانتظار , كُلّهم تحتَ المِنْظار , ربما قال سادتُنا ,
الذين فَرشوا بيوتنا حريرَ, وملأوا جيوبنا دنانيرَ , وظلامنا قمرا منيرا ,
وموائدنا طعوما , وأكتافنا شحما ولحوما , ربما قالوا: دعوهم , ومن الخزى
أَخْرِجوهم , كانوا للناس يوما أُمّهم وأبوهم , ولمّا كنتُ صاحبَ العدلِ
المتناهى , وعالَِمَ معادن القانونِ والأوامرِ والنواهى , وكاتبَ النصوص ,
ومُفَصصَ الفُصوص , وعندى لكل لِصٍّ من اللصوص , عِقابٌ مَخْصوص , طبقا
للحالة المطلوبة , والرغبة المحبوبة , والعدالة دائما – مع ذلك – عمياءٌ
مَعصوبة , كلّ شىء بحساب , ولكلّ أجل كتاب , وفى التأجيل المستمرّ , خيرٌ
مُنهمر, تأنّى وتأمّل وتدّبّر , وحذرٌ مُضاعَفٌ من التهوّر , ربما أعدمنا
رجلا لم يقتل سوى عشرات من الرجال , وقطعنا يدَ رجلٍ لم يسرق سوى مليارات ,
ورجمنا زانيا لم يزن سوىمع قلّة من الفتيات , وتاجرا لم يتجر مع عدو لنا
منذ قرون بالعشرات , وخائنا لم يُفْش سوى آلاف الأسرار الخَفيّات , ربما
أعدمنا مَنْ هو فى عين العسس , عملاقا واسما له جَرَس , ولذلك , واتقاءا
للمهالك , دعونا نؤجل َ للاطمئنان , ولكى لا نظلم انسان , نُطَبب َ المريض ,
ونطيل العريض , ونهدهد الساهر حتى ينام , ونرقص للمحزون للابتسام , ولا
خوفَ من التأجيل , ففى كل تأجيلة , حكمةٌ أصيلة , والأعمارُ – إن شاء الله –
طويلة , هذه ورقةٌ ناقصة , وهذا سجلٌّ منقوص , وهذا يحتاج إلى سفرٍ , من
الزقازيقِ ِ إلى قُوص ,هذا شاهدٌ غائب , وهذا شاهدٌ خائب ، هذه أدلةٌ
مصنوعة , وعن الحقيقة مقطوعة , وهذه وشايةٌ ومكيدة , وهذه مؤامرةٌ عتيدة ,
هذا موظفٌ أفّاك , وهذا نمّام هّتّاك , وتأجيلٌ ثم تأجيل ثم تأجيلْ ,
جيلٌ من بعد جيلٍ من بعد جيلْ , والصبرُ مِفْتَاح الفرج , ومُن دخل السجنَ
ربّما خرج , ومن مَشى سليما ربّما عَرَج , فالحياةُ بين دَرَجٍ ودَرَج ,
وهذا- يا إخوتى- الهّرج والمّرّج . هو – والله - الهّرج والمّرّج .
عادل حجازى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التصنيفات : المقامات الحجازية | أرسل الإدراج | دوّن الإدراج
8 تعليق على “المقامة التأجيلانيّة (المقامات الحجازية – 2)”
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تسمع فيروز ؟!
هنا
يوليو 1st, 2011 at 1 يوليو 2011 10:46 م
راقتني ..
كن بخير ,,
يوليو 2nd, 2011 at 2 يوليو 2011 9:58 ص
أفتقدت حروفك المضيئة في الاسبوع المنصرم ..
لكوني في مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة ..
(( أدام الله إبداعاتك وكلماتك النيرة.. ))
الشمس رغم شروقها وجمالها لا تتكلم ..
وسطورك لسانها ينطق بالإبداع..
عبدالعزيز ،،،
يوليو 2nd, 2011 at 2 يوليو 2011 12:30 م
تحية من أخ مصرى
يوليو 3rd, 2011 at 3 يوليو 2011 4:28 م
تحياتي وتقديري استاذ عادل
يوليو 4th, 2011 at 4 يوليو 2011 10:12 ص
أشكر لك اهتمامك …وأنا أيضا وجدت متعة فائقة فى هذا الشكل التراثى الجميل ” المقامة ” , والتى انقرض تماما , خاصةً بعد هجوم المحدثين فى بدايات القرن الماضى على هذه الأشكال الأدبية , ودعواتهم المستعرة للتخلص من عباءة الماضى !!!
شكرا لك مرة اخرى .
سلامى…و..احترامى .
يوليو 4th, 2011 at 4 يوليو 2011 10:13 ص
أشكرك سيدى الراقى .
يوليو 4th, 2011 at 4 يوليو 2011 10:14 ص
مصر كبيرة بكل كلمة حق تُقال فى أى مكان , وفوق أى منبر , مهما كان قائلها .
سلامى …و…احترامى .
يوليو 4th, 2011 at 4 يوليو 2011 11:04 ص
احنا وراهم لآخر الحياة …لمّا نشوف آخرتها َ!!!
تحياتى لشخصك الكريم .