مبارك ..وينبوع الشفاء ! ( قراءات )
مبارك ..وينبوع الشفاء ! ( قراءات )
كتبهاعادل حجازى ، في 15 مارس 2012 الساعة: 06:44 ص
كان في دمشق الشام في سالف الأيام رجل قد اشتهر بالمال والغنى ولا شهرة هارون أو ثروة قارون وكان الناس يقولون عن (مبارك) (وهو اسم الرجل): (لقد وافق الاسم المسمى فإن (مبارك)اً
قد بارك الله في ثروته) وكان بيده كنوز الهند وديار العرب ويسكن داراً
مفروشة بأبهى الفرش وأفخره وكان الله قد منّ عليه بامرأة حسناء ذات فضل
وفضيلة. وأولاد نجباء عددهم عدد نجوم الثريا (أي سبعة)
ومع
هذا كله لم يكن الفرح من نصيبه لأنه كان قد بذل معظم همه وراء زيادة زهو
بيته مقتنياً النفائس مزيناً بها داخل مسكنه وكان كلما حصل على شيء طلب
شيئاً آخر وهو لا يعلم إلى أين المنتهى. ولا متى يبلغ موئل السعادة القصوى.
إذ لا يزال في تعب ونَصَب وكلما فاز بالمبتغى. تولدت في قلبه رغائب أخرى
كلها غرائب. ومن ثم كان يطوى بساط أيامه وهو يعلل النفس عند النوم بأنه
ينال الراحة عند الصباح وإذا لاح جبين الفجر الصبيح يقول في نفسه: لعلي
أنال المنى عند غياب الشمس وهو لا يعرف ما هذه المنى كما لا يزال على هذا
التعليل. والنفس تفيض بالكآبة لا يسليه مسل. ولا يضحكه مضحك ولا يستطيب لذة
من اللذات.
ولما
كانت امرأته ترى هذا الحال تحزن لحزنه كما كان أولاده يغتمّون لغمّ
الوالدين والجميع من كبار وصغار يفرغون ما في وسعهم وطاقتهم لإرضائه أو
لتطييب مر أيامه. وهو لا يزال إلا تبرماً من الحياة وتأففاً من العيشة. وقد
ضجر من هذه الدنيا وما فيها لشعبه منها بل لتخمة. وكان يود أن يموت والموت
لا يزال منه إلا هرباً وبعداً.
فسمع
ذات يوم انه في بلدة منف من ديار مصر رجل عالم بل حكيم لا بل بنى يستطيع
أن يحل اعقد المسائل وأعضلها ويصف الدواء الناجع لأي مرض كان.
فعقد (مبارك) النية على الذهاب إليه واستفتائه أو استشفائه.
فدعا
وصيفه (مالكاً) وكان يثق به كل الثقة وأمره أن ينتخب له من ابله أحاسنها
وان يحمل على واحد من نجبها أسفاطاً يملاها ذهباً وفضة وجواهر وجماناً
ويجعل على مهري آخر أنواع الطيوب طيوب بلاد العرب ويركب كل منهما مهرباً
ويظعنان إلى منف مقر الولي العظيم.
فلبي العبد سيده وودع (مبارك)
أهله وولده وسافر مع مالك إلى ديار مصر وما سارا زمانا إلا وأضلهما الطريق
ملاك الله فأخذا يضربان في البوادي ولا بادي يبدو لهما. كما انهما لم يقعا
أبداً على طريق لاحب يؤدي بهما إلى منزلة ترام. فاخذ العطش يفعل في
جوفيهما فعل النار في الهشيم. وكانا في الليل ينشران رداءيهما في الهواء
وعند الصباح ينهضان باكراً ليرطبا شفتيهما بوضعهما إياهما عليهما. وما كانا
يفوزان بشيء يل كانا كالقابض إلى الماء لأنه ما كان يقع سدى ولا ندى في
تلك الفلوات المحرقة أو اقل في تلك الحرار الجهنمية. فلما تأجج صدرهما
عطشاً وأخذا يتلعلعان على نحر واحد من الإبل في وسط تلك الرمال المتوهجة
المتقدة وشرب الماء الذي يجدانه في معدته. ولما فعلا ما نويا خاب مسعاهما
إذ لم يجدا فيها قطرة ماء.
فقال حينئذٍ (مبارك)
لعبده: وأسواتاه! هل أني أخذتك إلى هنا لأميتك. فلقد أحببت نفسي فوق ما
يتصوره كل عاقل. ولقد غررت بنفسك على غير جدوى. وزد على ذلك أني اقر باني
قترت على عيالي تقتيراً ذميما استنزل على كل البلايا وصبها على صباً. فهل
من بعد هذا كله أتلف روحك وأكون أنا دائماً ذلك الظلوم الغشوم بعينه وأنت
لا تتشكى ولا تتظلم ولا تتضجر بل تتبعني بكل وداعة اتباع الفرار لامه. بل
ولا تلومني على شيء حينما لا أقابل إحسانك بحسنة من الحسنات.
فقال
له مالك: مالك يا سيدي ولم هذه الوساوس. وكيف لا اتبعك يا مولاي إلى
القبر. ألم أكل من خبزك وملحك واشرب من ماءك ولبنك. ألم أتنعّم بالطيبات
أيام السعد فلم لا أذوق الخبيثات يوم النحس؟ وكل أملي أن أرى سيدي يفوز
بالنجاة من هذه المفازة الغائلة وان يستعيدني ربي إليه ويضم ما بقي من أيام
حياتي إلى أيامك لتعود إلى عيالك قرير العين على الطائر الميمون. وأني
اطلب هذا إلى ربي لأني بدون أهل وولد. وأما أنت وسندي فان ذويك ينتظرونك
على أحر من جمر الغضا.
وما
نطق مالك بهذا الكلام إلا وخرّ مغشيّاً عليه. فلما رآه سيّده اخذ يتلوى من
الألم ويتحوى ثم ركع ساجداً واخذ يبتهل إلى الله ويقول: اللهم أطلق روحي
من سجنها وأمتني في هذه البادية لأني لم اكن أهلاً لا تلقى منذ تلك النعم
والآلاء وها أنا ثقل أوزاري يرهقني فلا حق لي أن أعيش بعد هذا فدونك نفسي،
دونك نفسي!
فلمّا أتمّ كلامه خارت قواه واخذ ينتحب انتحابا.
ومضى
على هذه الحالة هنيهة من الزمان ثم تألقت غرته وبرقت أساريره وزالت غضون
جبينه فابتسم عن ثغر كالأقحوان واخذ يتسع ويتنصت. وبينما كان قد الصق أذنه.
. . وما زال يصغي له حتى تخيل له انه يسمع دوياً، وهل الدوي من اثر الجوع
أم من اضطراب في دماغه لآفة أصيب بها؟. . . وبعد التدقيق والتثبت تحقق أن
لا وهم هناك وان تحت الأرض خرير ماء يتدفق من عين تزارة فهرول متتبعاً ذلك
الهدير وإذا به أمام عين تنفجر زلالاً نميراً بل كوثراً وسلسبيلا فقام ورفع
يديه وأهل بذكر الله. وقبل أن يبل صداه فكر بوصيفه مالك الذي بقي صريعاً
على الأرض فملاء قدحاً من هذا الماء الزلال واخذ يسقيه منه جرعة بعد جرعة
بعد أن بلل صدغيه وشفتيه حتى أفاق. ثم قال له: (لست يا مالك من الآن وصاعدا
عبدا لي بل رفيقا. فان عودتك إلى الحياة هي بمنزلة تحرير لك فتعال واشكر
الله معي على انه أنقذنا من هذا الموت الزؤام.
فذهب
كلاهما إلى حافة العين وكرعا منها أنفاساً ثم أوردا ابلهما فشربت حتى
رويت. وحينئذٍ فتحا مزاودهما واكلا هنيئاً مرئياً وحمدا الله على هذه المنة
التي لم يتوقعاها. ثم قال الملك ل(مبارك). بقي علينا الآن أن نبحث عن طريق التي تؤدي بنا إلى منف. قال (مبارك):
لا حاجة لي الآن أن اذهب إلى تلك المدينة بل فلنرجع إلى دمشق الفيحاء قال
هذا: وحملا أثقالهما ورجعا إلى الوطن العزيز ولما دخلا داره طيب خاطر
أمرائه وأولاده ببشاشة وجهه وتلألوء جبينه.
فأهلّت امرأته وقالت: بارك الله في ذلك الرجل الذي شفاك من حزنك وغمك وهمك!
فقال لها (مبارك):
(يا زهراء) أن الذي يشفاني هو الله نفسه لا ابن آدم. فإني لما تبطنت
الصحراء وليس هناك ما يتعلق به قلبي جردني الله من حب الدنيا فاثبت في
التواضع ثم باحتمال تلك الداهية الدهماء علمني الرأفة بالقريب ومحبته.
وعليه فلا أريد أبداً أن أعيش كما عشت سابقاً أي أن لا اهتم إلا بنفسي بل
عقدت النية على محبة الغير والاهتمام بأمرهم مصلحا ما كنت قد أفسدته
وراتقاً ما كنت قد فتقته.)
والحق يقال: أن (مبارك)اً
منذ دخوله قصره المشيد اخذ بمساعدة الفقراء وإعالتهم وتسلية الحزانى
وتطييب خاطرهم. ومنذ ذاك الحين تولد في قلبه سرور لا يشبه سرور وأيقن أن
الفضيلة وحدها هي رسول السعادة والفرح وهناء العيش ورغده. ولم تنحصر
السعادة ببيته فقط بل امتدت إلى حواليه ومنها إلى ما وراء مسقط رأسه حتى
بدا الناس يقولون: أن (مبارك)اً ليس (مبارك)اً في ثروته فقط كما في السابق بل هو (مبارك) في فضله وفضيلته وفواضله.)
وفي
السنة الثانية ظعن مع عياله إلى تلك الفلاة الشهيرة التي وجد فيها الهدى
والرعوي. وبنى بجانب العين منزلا للمسافرين ودعا تلك العين (ينبوع الشفاء.)
تمت
……………………………….
ينبوع الشفاء
أحدوثة إسلامية
وضعها بالفرنسوية الكاتب كزافيه مرميه من أعضاء المجمع اللغوي وعربها الأب انستاس الكرملي.
نُشرت فى العدد الثاني من مجلة لغة العرب العراقية …1-8-1911 !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التصنيفات : مختارات | أرسل الإدراج | دوّن الإدراج
4 تعليق على “مبارك ..وينبوع الشفاء ! ( قراءات )”
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تسمع فيروز ؟!
هنا
مارس 15th, 2012 at 15 مارس 2012 7:55 ص
وسرد فى قمة الروعة
بوركت وبورك جهدك الطيب
نسأل الله ان يسلمنا جميعا
ويحرننا من آسر الدنيا لقلوبنا
ويردنا اليه مردا جميلا
ويهدينا لما يحب ويرضى
دمت بكل الخير ودام عطاءك وفيض نبعك الراقى.
مارس 15th, 2012 at 15 مارس 2012 12:07 م
مارس 16th, 2012 at 16 مارس 2012 7:07 ص
مارس 18th, 2012 at 18 مارس 2012 6:28 ص
ام البنات
اختى نهاد
…………
كل الشكر والتقدير لتواصلكم .